فصل: لطيفة: إخراج آدم عليه السلام من الجنة قبل أن يسكنها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}.
هذا ابتداء إظهار سِرِّه في آدم وذريته. أَمَرَ حتى سلَّ من كل بقعة طينة ثم أمر بأن يخمر طينه أربعين صباحًا، وكل واحد من الملائكة يفضي العَجَبَ: ما حكم هذه الطينة؟ فلمَّا ركب صورته لم يكونوا رأوا مثلها في بديع الصنعة وعجيب الحكمة، فحين قال: {إِنِّى جَاعِلٌ في الأَرْضِ} تَرَجَّمَتْ الظنون، وتقسَّمت القلوب، وتجنَّت الأقاويل، وكان كما قيل:
وكم أبصرتُ من حسن ولكن ** عليك من الورى وقع اختياري

ويقال إن الله سبحانه وتعالى خلق ما خلق من الأشياء ولم يَقُلْ في شأن شيء منه ما قال في حديث آدم حيث قال: {إِنِّى جَاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً} فظاهر هذا الخطاب يشبه المشاورة لو كان من المخلوقين. والحق سبحانه وتعالى خلق الجنان بما فيها، والعرش بما هو عليه من انتظام الأجزاء وكمال الصورة، ولم يقل إني خالق عرشًا أو جنة أو مَلَكًا، وإنما قال تشريفًا وتخصيصًا لآدم إني جاعل في الأرض خليفة.

.فصل: نوع الاستفهام في قوله تعالى: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا}:

ولم يكن قول الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} على وجه الاعتراض على التقدير ولكن على جهة الاستفهام، فإن حَمْلَ الخطاب على ما يُوجِب تنزيه الملائكة أَوْلى لأنهم معصومون.. قال تعالى: {لاَّ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم: 6].
ويقال استخرج الحق سبحانه منهم ما استكنَّ في قلوبهم من استعظام طاعاتهم والملاحظة إلى أفعالهم بهذا الخطاب؛ فأفصحوا عن خفايا أسرارهم بقولهم: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ}. ثم إن الحق سبحانه عرَّفهم أن الفضيلة بالعلم أتمُّ من الفضيلة بالفعل، فهم كانوا أكثر فعلًا وأقدمه، وآدم كان أكثر علمًا وأوفره، فظهرت فضيلته ومرتبته.
ويقال لم يقل الحق سبحانه أنتم لا تفسدون فيها ولا تسفكون الدماء بل قال: {إِنِّى أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} مِنْ غفراني لهم.
ويقال: في تسبيحهم إظهارُ فعلهم واشتهار خصائصهم وفضلهم، ومن غفرانه لمعاصي بني آدم إظهار كرمه سبحانه ورحمته، والحق سبحانه غني عن طاعات كل مطيع، فلئن ظهر بتسبيحهم استحقاق تمدحهم ثبت بالغفران استحقاق تمدح الخالق سبحانه.
ويقال إني أعلم ما لا تعلمون من صفاء عقائد المؤمنين منهم في محبتنا، وذكاء سرائرهم في حفظ عهودنا وإن تدنَّس بالعصيان ظاهرهم، كما قيل:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحدٍ ** جاءت محاسنُه بأَلْفِ شفيع

ويقال إني أعلم ما لا تعلمون من محبتي لهم، وأنتم تظهرون أحوالكم، وأنا أخفي عليهم أسراري فيهم، وفي معناه أنشدوا:
ما حطَّك الواشون عن رتبة ** عندي ولا ضرك مغتاب

كأنهم أثْنَوْا ولم يعلموا ** عليك عندي بالذي عابوا

ويقال إني أعلم ما لا تعلمون من انكسار قلوبهم وإن ارتكبوا قبيح أفعالهم، وصولةَ قلوبكم عند إظهار تسبيحكم وتقديسكم، فأنتم في رتبة وفاقكم وفي عصمة أفعالكم، وفي تجميل تسبيحكم، وهم مُنْكَرون عن شواهدهم، متذللون بقلوبهم، وإن لانكسار قلوب العباد عندنا لذمامًا قويًا.
ويقال أي خطر لتسبيحكم لولا فضلي، وأي ضرر من ذنوبهم إذا كان عفوي؟ ويقال لبَّسْتُكم طاعتكم ولبستهم رحمتي، فأنتم في صدار طاعتكم وفي حُلَّةِ تقديسكم وتسبيحكم، وهم في تغمد عفوي وفي ستر رحمتي ألبستهم ثوب كَرَمي، وجللتهم رداء عفوي.
ويقال إن أسعدتكم عصمتي فلقد أدركتهم رحمتي.
وإيصال عصمتي بكم عنده وجودكم وتعلُّق رحمتي بهم في أزلي.
ويقال: لئن كان مُحسِنْكم عتيق العصمة فإن مجرمَهُم غريق الرحمة.
ويقال: اتكالهم عليَّ زكّى أحوالهم فألجأهم إلى الاعتراف بالجهالة حتى يتبرأوا عن المعارف إلا بمقدار ما منّ به الحق عليهم فقالوا: {سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا}. اهـ.

.قال الفخر:

فائدة: كيفية خلقة آدم:
اعلم أن هذه الآية دالة على كيفية خلقة آدم عليه السلام وعلى كيفية تعظيم الله تعالى إياه فيكون ذلك إنعامًا عامًا على جميع بني آدم فيكون هذا هو النعمة الثالثة من تلك النعم العامة التي أوردها في هذا الموضع. اهـ.

.فوائد وتنبيهات:

سؤال: فلئن قلت لأي غرض أخبرهم بذلك؟
الجواب: قيل: تعظيمًا لشأن المجعول وإظهارًا لفضله بأن بشر بوجود سكان ملكوته ونوه بذكره في الملأ الأعلى قبل إيجاده ولقبة بالخليفة. اهـ. بتصرف يسير.

.لطيفة: إخراج آدم عليه السلام من الجنة قبل أن يسكنها:

ذكر ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال أخرج الله آدم من الجنة قبل أن يسكنها إياه ثم قرأ: {إني جاعل في الأرض خليفة}.
وعن أبي مالك: أن كل {إذ} في القرآن فقد كان.
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن عساكر عن ابن عباس.
قال: إن الله أخرج آدم من الجنة قبل أن يخلقه ثم قرأ: {إني جاعل في الأرض خليفة}. اهـ.

.قال البغوي وتبعه الخازن:

{إني جاعل في الأرض خليفة} أي خالق خليفة يعني بدلًا منكم ورافعكم إلى فكرهوا ذلك لأنهم كانوا أهون الملائكة عبادة.
ما ذكره الإمام البغوى- رحمه الله- يفتقر إلى نقل صحيح بل يشتمل على ما يرده. فقوله عن الملائكة إن الله خفف عنهم العبادة هذا أمر لا يصلح إلا للبشر.. أما الملائكة فهم لا يأكلون ولا ينامون ولا يتناكحون ولا يتناسلون ولا يمرضون ولا يعملون طلبًا للرزق.. فأي حاجة إلى تخفيف العبادة عنهم. والله أعلم.
{للملائكة} قيل أراد بهم الملائكة الذين كانوا في الأرض، وذلك أن الله تعالى خلق السماء وخلق الملائكة والجن فأسكن الملائكة السماء وأسكن الجن الأرض فعبدوا الله دهرًا طويلًا في الأرض ثم ظهر فيهم الحسد والبغي فأفسدوا وقتلوا فبعث الله إليهم جندًا من الملائكة يقال لهم الجن وهم خزان الجنان اشتق لهم من الجن رأسهم إبليس وكان رئيسهم ومرشدهم وأكثرهم علمًا فهبطوا إلى الأرض فطردوا الجن إلى شعوب الجبال وجزائر البحور، وسكنوا الأرض وخفت عبادة الله فأعطي الله إبليس ملك الأرض وملك السماء الدنيا وخزانة الجنة وكان يعبد الله تارة في الأرض وتارة في السماء وتارة في الجنة فدخله الغرور وقال في نفسه ما أعطاني الله هذا الملك إلا لأني أكرم الملائكة عليه فقال الله له ولجنده: {إني جاعل في الأرض خليفة}. اهـ.

.قال السيوطي:

فائدة: معاني {جعل} في القرآن الكريم:
أخرج ابن جرير عن الضحاك قال: كل شيء في القرآن جعل فهو خلق.
هذا القول فيه نظر لأنه يدعم قول المعتزلة بأن القرآن مخلوق مستدلين بقوله تعالى: {إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون} [الزخرف: 3] فكيف يكون الجعل في الآية السابقة بمعنى الخلق؟!
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: {وتجعلون له أنداداً} [فصلت: 9] فإن الجعل فيها بمعني القول، وقد ذكر الإمام الفخر الرازي رحمه الله معاني الجعل وذكر أن الجعل له معان أخرى سوى الخلق والإيجاد:
أحدها: جعل بمعني صير قال الله تعالى: {وهو الذي جعل لكم الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشوراً} [الفرقان: 47].
وثانيها: جعل بمعنى وهب تقول: جعلت لك هذه الضيعة وهذا العبد وهذا الفرس.
وثالثها: جعل بمعنى الوصف للشيء والحكم كقوله تعالى: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً} [الزخرف: 19] وقال: {وجعلوا لله شركاء الجن} [الأنعام: 110].
ورابعها: كذلك بمعنى الأمر؛ كقوله تعالى: {وجعلناهم أئمة} [الأنبياء: 73] يعني أمرناهم بالاقتداء بهم، وقال: {إني جاعلك للناس إمامًا} [البقرة: 124].
وخامسها: أن يجعله بمعنى التعليم كقوله جعلته كاتباً، وشاعراً إذا علمته ذلك.
وسادسها: البيان والدلالة تقول: جعلت كلام فلان باطلاً إذا أوردت من الحجة ما يبين بطلان ذلك. اهـ.

.وقال ابن أبي حاتم:

قوله تعالى: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}.
ذكر ابن أبي حاتم في تفسيره ما نصه حدثنا أبي هشام بن عبيد الله عن عبد الله بن يحي بن أبي كثير قال سمعت أبي يقول: إن الملائكة الذين قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها.. الخ كانوا عشرة آلاف فخرجت نار من عند الله فأحرقتهم. اهـ.

.وقال صاحب الفتوحات الإلهية:

فائدة: في الاستفهام في قوله تعالى: {قالوا أتجعل فيها}:
وقال صاحب الفتوحات الإلهية: {قالوا أتجعل فيها} إنما قالوا ذلك استكشاف عما خفي عليهم من الحكمة التي بهرت أي غلبت تلك المفاسد وألغتها وليس باعتراض على الله تعالى ولا طعن في بني آدم على وجه الغيبة فإنهم أعلى من أن يظن بهم ذلك لقوله تعالى: {بل عباد مكرمون} [الأنبياء: 27]. اهـ.
وهذا السؤال ليس على جهة الاعتراض كما هو معروف، وقال العلامة ابن كثير معلقًا على هذا الخبر بأنه إسرائيلي منكر.
وفائدة الجمع بين التسبيح والتقديس وإن كان ظاهر كلامهم ترادفهما أن التسبيح بالطاعات والعبادات والتقديس بالمعارف في ذات الله تعالى وصفاته أي التفكر في ذلك. اهـ.
{قال إني أعلم ما لا تعلمون}.
قال الشوكاني: قال إني أعلم مالا تعلمون ولم يذكر متعلق تعلمون ليفيد التعميم ويذهب السامع عند ذلك كل مذهب ويعترف بالعجز ويقر بالقصر. اهـ.
وقال القرطبي- رحمه الله- بعد أن ذكر بعض هذه الوجوه:
قلت: ويحتمل أن يكون المعنى إني أعلم ما لا تعلمون مما كان ومما يكون وما هو كائن فهو عام.
وقال قوم: بل تعليم بقول، فإما بواسطة ملك أو بتكليم قبل هبوطه الأرض فلا يشارك موسى عليه السلام في خاصته.

.قال الطبرسي:

قالوا: إن الله جعل الكلام معجزة لثلاثة من الأنبياء: آدم، وإسماعيل، ومحمد صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وقال الطبرسي: وقد افتتح الله تعالى الدلالة على الإعجاز بالكلام في آدم ثم ختم به في محمد صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وقال في الفتوحات الإلهية ما نصه:
وقوله: {أنبئوني} أمر تعجيز والنبأ خبر ذو فائدة عظيمة سواء حصل علمًا أو غلبة ظن فإيثاره على الإخبار للإيذان برفعة شأن الأسماء وعظم خطرها، فإن النبأ إنما يطلق على الخبر الخطير والأمر العظيم.

.قال في تنوير الأذهان:

أفادت الآية أن العبد ينبغى له أن لا يغفل عن نقصانه وعن فضل الله وإحسانه، ولا يأنف أن يقول: لا أعلم فيما لا يعلم، ولا يكتم فيما يعلم.
وقالوا: لا أدرى نصف العلم، وسئل أبو يوسف القاضى عن مسألة فقال: لا أدرى فقالوا له: ترتزق من بيت المال كل يوم كذا كذا ثم تقول: لا أدرى فقال: إنما أرتزق بقدر علمى، ولو أعطيت بقدر جهلى لم يسعنى مال الدنيا- وحكى- أن عالما سئل عن مسئلة وهو فوق المنبر فقال: لا أدرى فقيل له: ليس المنبر موضع الجهال، فقال إنما علوت بقدر علمى، ولو علوت بقدر جهلى لبلغت السماء. اهـ.

.فائدة: في خلق آدم عليه السلام والملائكة:

روى أنه تعالى لما خلق آدم رأت الملائكة خلقًا عجيبًا فقالوا: ليكن ما شاء فلن يخلق ربنا خلقًا إلا كنا أكرم عليه منه.

.قال ابن عطاء الله:

الستر على قسمين:
ستر عن المعصية وستر فيها. فالعامة يطلبون من الله تعالى الستر فيها خشية سقوط مرتبتهم عند الخلق والخاصة يطلبون من الله الستر عنها خشية سقوطهم من نظر الملك الحق يعني: أن العامة يطلبون الستر في المعصية خوف اطلاع الناس عليهم فهم {يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ} [النساء 81].
قال ابن عباس في قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19]. هو الرجل يكون في القوم فتمر به المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها فإذا رأى من القوم غفلة لحظ إليها.
وهذا شأن المرائين الذين يستخفون بنظر الجبار ويهابون الناس أن يطلعوا عليهم فيما يرتكبونه من الأوزار.
وأما الخاصة فهم يطلبون من الله الستر عنها بأن يجعل بينهم وبينها حاجبًا حتى لا تخطر بقلوبهم خشية سقوطهم من نظر الملك الحق. وإلى هذا المعنى أشار أبو الحسن الشاذلي في دعائه بقوله: اللهم إنا نسألك التوبة ودوامها ونعوذ بك من المعصية وأسبابها وذكرنا بالخوف منك قبل هجوم خطراتها واحملنا على النجاة منها ومن التفكر في طرائقها.
من أكرمك فإنما أكرم فيك جميل ستره فالحمد لمن سترك ليس الحمد لمن أكرمك وشكرك أي من أكرمك من العباد بعطاء أو محبة فإنما أكرم فيك جميل ستره تعالى أي ستره الجميل عليك فإنه لولا جميل ستره ما نظروا بعين الرضا إليك بل لو نظروا إلى ما فيك من العيوب لاستقذروك ونفروا منك وطرحوك. فلا تعبثك رؤية إكرام الخلق لك لجهلهم بعيبك على حمدهم على ذلك دون حمد ربك فتضع الحمد في غير موضعه فإن الحمد لا ينبغي أن يكون إلا لمن سترك ليس الحمد لمن أكرمك وشكرك. وإنما تحمده من حيث إجراء الخير على يديه فقط لا من حيث إنه المكرم الحقيقي إذ ليس ذلك إلا الله. قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ} النحل (53). اهـ.